السبت، 22 يونيو 2013

على طرف منقاري




(1)

ظِلٌ يتباهَى بامتدادهِ الزئبقي /
قدمَان تشكوان ضِيق الحِذاء /
 كلمةٌ تتورد هشاشتُها في حَضرة السؤال:
أعوادُ ثِقاب
تُشعلُ فيّ نشوة الرّكض إلى الهَاوية
برأسٍ خفيفٍ كغيم الهذيان.

***

(2)

مزهوّةً بوهجِ المَعنى
كنتُ أردمُ الثقب الأسود
في كوكَب الغد
بالوَطن، و الشمْس، و الأصدِقاء
و يَوم ضحِك الليْل
التمعتْ أنيابُ أوهَامي كُلها
في فك العتمَة
لتتسِع مجرّة الثقبِ العظيم.

***

(3)

أبَعثر أحشاء حَقائبي
على عَتبة الطّلل الأخِير
أتوسَد رأسِي
أتأمل شهُب الأمنيَات
تعبرُ خاويَة الجوفِ من الخوفِ
برزخَ الحُريّة.

***

(4)

لَم يَكونوا هنا
يَوم حَالت القِربة المَقطوعة
بَين فراتِ دمعِك
و ظمَأ جفني
لِذا انتزعوا الصّرخة من نحرِي/
استباحوا ظلمَاتِها
و يَوم أمسَت سَافرةً كالضوء
ابيّضتْ عَيناي
و كنتُ قد كبرتُ على البُكاء.

***

(5)

عَلمتني كَيف أكُون ناياً
لأغلفَ عواصِف قلبك بشجَني
لكن عُودي الأعوج ظلّ سَعفة خضراء
تراقصُ الحِبر و الرّيح
دون أن تُكسر.

***

(6)

أتهجأ في ناموسك منطق الهُدنة
مع الجُذور المُتراكِضة تحت جلدي
و في أصَابعي جُوع الطَين
للغيم / يُخامر كثافة الحُزن في صَدري
قُبيل مخاضِ السّماء.

***

(7)

عَلى طرفِ منقاري زبدُ أغنية جَريحَة
 تُشبه كلمَة (لا).
مِنقاري: بابٌ مواربٌ صدئ
يَخشى أن يُفسد نشازهُ
مَا تبقى مِن هَديل الرّيح.
***

(8)

نقطة حِبر
في كُوب مَائِك
كنتُ
انكِسار الظلّ على هَامِشك النحِيل
لكنها أمطرَتْ أعوادَ ثِقاب
و كَان قلبي حَقلاً ملغوماً
يوم آخيتُ في قارّة صَدري
بين الهولوكوست و الطوفان.

***

(9)

أدق من رأس الخيط
الذي يُصلّي مِراراً
ليُباركه ثقبُ إبرة
كُنتُ / لم أعُد.
***

(10)

على مَرآك
و أنا أحرثُ ترابَ قلبي،
بحثاً عن تمثال مَجدك
كانت الغِربان تأكلُ بذور ضِحكَتك،
عَينيكَ الضيقتين، وجهَك الكالِح
لكنني لم أندبكَ
بقدر مَا نفضتُ قلبي لاحِقاً
 من التراب نفسِه
قُرباناً لبَياضِ أجنحَتي.

***

(11)

جَناحان فشلا
فِي إنجاب نجمَة
كان عَليهما أن يُروّضا غُبار الخطِيئة
ليَغدو فرقداً
أو عَدماً.

***

(12)

عَلى مَائدة القربان
بين الحَانوت و المَلكوت
التمعتْ لزوجة دِمائهم
على شفرةِ بصِيرتي.

***

(13)

لم يَعد قلبِي حَاوية بَريد
لصُكوك الغفرَان.

***

(14)

صِدقُ ما أرى:
رأسُ جبل الجليد العائِم
قدري المقدَّر: أن أرفضَ المَشي عَلى المَاء
دون أن أخدش وجهَه بأظافِر السّؤال
دون أن يوغِل جذعِي الظمآن فِي العُمق
حيثُ لا صَدى إلا في مِرآة الغرق.


فاطمة إحسان اللواتي
نشرت في ملحق (شرفات) بجريدة عمان.

لعبة الأدوار المستحيلة



(1)

في الزاوية الأبعَد
مِن زنزانة الأقنِعة
ظلت الطّفلة الخرسَاء
تحتلُّ مِقعدِي
تستبدلُ قدميّ المتخشبتين
 بساقيّ راقصة باليه
تخذلان وقوفِي
 كلما تهيأت لسَلخ صَمتِها
من بهرجَة المُوسِيقى

***

(2)

أحُرك ذيل الثوب
على وَجه الدّخان المُعطّر
لأبصِر الغيوم التي اصطدتُها يَوماً بكفّي
و هي تراودُ الهَواء عن نفسِه
على مَسافةِ شهابٍ واحدٍ
مِن قعرِ المِجمَر

***

(3)

لَم أعد أحفر طويلاً
في قاع وحدَتي
بحثاً عن دُمى بآذان مِن شحمٍ
و أحصِنة بيْضاء بقوائم مِن ريح
إلا أن حَديقتي السّرية
ما برحَت تمتلئُ أكثر
بجثث مَن تعثرتُ بهم
و أنا أزحفُ تحتَ السّياج الشائِك
فِي الطريق إليّ

***

(4)

لا سِعة في هذا البَحر
لثقبٍ صغير بحَجم إبرة
لذا لا أعوّل كثيراً عَلى قوارب النّجاة
و أندبُ غرقِي / حيّةً
قبل فواتِ الصّوت

 ***

(5)

لَم أعرِف
أن أكداسَ الرّمل
التي انسلّت من بين أطقِم أسنانِهم الاصطناعِية
على أرضِ غير مُمهدة للكَلام
هي التي حلّقت برؤوسهم المَنفوخة بغاز الضحِك / لأعلى
حيث الفضاء يمهّدُ
لبقية المناطِيد الحَبلى بالضحك
وطناً من سَديم

***

(6)

مظلةً غدوتُ
تحسدُ الثرثارين على هواءٍ
كان يُصفّر مُنتشياً برحلة سفرٍ قصيرة
عَبر وجهها المثقوب

***

(7)

مَدى الأرجُوحة سفرٌ
أقصرُ من إغماضة جفنٍ
و مِن جَناحين و أغنِية

***

(8)

عَبثاً
كُنت أقيس عُمر المُجازفة
بشريط الأيّام
لِذا بَقي ثوبِي أطول
مِن أن أخوض غِمار الأبديّة وَحدِي

***

(9)

أفتح باباً
أغلقُ آخر
أباغتُ الرّيح
تُباغِتني السُّخرية
لا تنتهِي أدوار اللّعبة
رغم غثيان الأعدَاد المُكررة
و نفادِ أمَاكن الاختِباء.




فاطمة إحسان اللواتي
نشرت في ملحق (شرفات) بجريدة عمان.