القصيدةُ من فرط خفتهآ تڪسِر الڪلمآت ، ڪمَآ يڪسرُ الحلمُ الحَآلمين !
الاثنين، 2 سبتمبر 2013
أفأعبد ما لا أرى؟

(الله والإنسان) كتابٌ يناقش فيه الكاتب أحمد القبانجي إشكالية العلاقة بين الإله والإنسان، يتمحور في مجمله حول شكلين من أشكال هذه العلاقة، فهي في صورتها العامة إما ذهنية عقلية أو وجدانية روحية، فعندما يكون أساس إيمان الإنسان بالله عقلياً، يكون بناءً على صورة رسمها الإنسان لله في ذهنه، و ليس على إدراك واضح و متكامل على نحو مضمون، لأن الإيمان بناء على أساس عقلي ما هو في حقيقته إلا آلية استقراء متدرجة، و بعبارة أخرى عملية تجميع للأجزاء للوصول إلى الكل، أي بناء منظومة فكرية عقائدية بناء على مجموعة من المعارف المكتسبة من مصادر خارجية، سواء كانت تفاسيرمنهجية لنصوص مقدسة، أو خلاصة لتجارب فلسفية مختلفة.
أما في الإيمان المبني على أساسٍ وجداني فإدراك الإنسان لربه يكون مبنياً على شعوره الباطني العميق تجاهه، شعوره بالارتباط بهذا الكيان المطلق، و حاجته إليه، حاجة منبعها الحب و التوق للكمال، لا الخوف من العقاب، و لا الطمع في الثواب و المنفعة.
يفتتح القبانجي أول فصول الكتاب بتأكيد حقيقة مهمة، وجديرة بالتأمل و هي أن الله الذي نعبده يجب أن نراه أولاً، و إلا فإن العبادة تقع في دائرة الوهم، مستشهداً برد الإمام علي بن أبي طالب على من سأله "هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟" فقال: "أفأعبد ما لا أرى؟"، و حين عقّب عليه سائله بسؤال آخر :"و كيف تراه؟"، قال: "لا تدركه العيون بمشاهدة العيان، و لكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان". و هذه الرابطة الوجدانية القلبية التي تربط الإنسان بخالقه هي إحدى أهم هواجس الفرد المعاصر، حيث أن مشكلات هذا العصر تجاوزت النمط التقليدي من الأسئلة التي تدور في مدارات العقل فقط و لا تتجسد في الواقع، فإذا لم يعرف الفرد موقعه و مكانته و نسبته من خالقه، فما فائدة ركام الأدلة و البراهين العقلية على وجود الله؟
تصوّر (الله) ذهنياً يستند لوجود أدلة و براهين لإثباته، كما يتبين من منهج الفلاسفة و علماء الكلام؛ لأن هذا التصور ليس حقيقة موضوعية، بل مجرد اعتبار ذهني، يمكن إثباته إثباته و إنكاره معاً، فكما أننا نجد من يتشبث بالأدلة العقلية ليثبت وجود الله، نجد أن هنالك من ينفي وجوده بنفس النوع من الأدلة. و نرى أيضاً أن (الله) الذهني محدود بطائفة من البشر تدّعي أن الله معها و ضد الطوائف الأخرى، فعلى سبيل المثال كل مذهب إسلامي يدّعي أنه الحق، و أن الله معه ضد أصحاب المذاهب الأخرى، و هكذا يجري إلغاء و تهميش وجود الله في أمم و شعوب بكاملها فقط لأنها لا تتفق مع تصور العقلية المسلمة عن حقيقة الله، بالتالي حصرها على فئة محدودة جداً.
بينما لو أخذنا التصوّر الآخر لوجود الله، و هو التصور الوجداني، فإن المشهد يتغير إلى حد كبير، حيث أن لكل إنسان وجدان يسلك به إلى الخير و الإنسانية، و في التاريخ شواهد كثيرة عن من هم (كفّار) بالاصطلاح الفقهي، و قد ملئوا بالإنسانية و حب الخير و الدفاع عن المظلومين و المضطهدين، فهم لا يتحركون بوحي من دينهم الذهني و إلههم الفكري الذي ورثوه، أو كونوا صورته لاحقاً بناءً على مكتسبات من محيطهم، بل بوحي من وجدانهم و إنسانيتهم، و هم لا يعلمون أنهم يتحركون بدافع إلهي خالص، رغم عدم اعتقادهم -في بعض الحالات- بوجود الله على المستوى الفكري و الفلسفي.
من ناحية سيكولوجية فالفكر حسب تعبير الكاتب هو مقر لقيادة (الأنا) و وسيلة لإرضاء طموحاتها و إشباع رغباتها، و لا يمكن أن يتخطى هذا المنهج، أو يتجاوز هذه المهمة التي خلق من أجلها، و من الخطأ توقعنا منه أكثر من ذلك، كأن نفترض أنه قادر على إدراك عالم ما وراء الطبيعة، أو تجاوز المصلحة الشخصية. فالله الذي يتم إدراكه ذهنياً و حسب، لا يكون إلا محض تابع لمقتضيات الأنا؛ مما يجعل بعض المتدينين يحسبون أنهم يعملون لله تعالى، بينما هم في واقع الأمر يتحركون بوحي من ذواتهم أي طمعاً في ثواب أو خوفاً من عقاب.على عكس الله الذي يعيشه الإنسان في وجدانه، و يجعل إدراكه للخير و الشر ينطلق من إدراكه لحقيقة موضوعية، بعيداً عن تدخل الأنا و منفعتها الخاصة.إجمالاً يمكن القول بأن ما جاء في الكتاب يتلخص في أن الدين في حقيقته هو العمل بما يوافق الوجدان و الدوافع الإنسانية، و من كان كذلك غير جاحد و لا معاند فهو على الحق و إلا فلا. شخصياً أرى أن هذه النظرة للدين متصالحة كثيراً مع الواقع الديني/ العملي المعاصر، لكنها تتجاوز قضايا كثيرة في الغيبيات التي قد لا تقل شأناً عن باقي قضايا الإيمان و الشرع وفقاً للطرح الديني التقليدي، دون وجود مبرر صريح.
فاطمة إحسان اللواتي
*نشرت في صحيفة (آراء) الإلكترونية.
http://www.araa.com/opinion/16486#sthash.gEMI3Bih.dpuf
عذرية الوجه العاري
(1)
العتمة
العذراء
لم تتشبث
بمعجزة
لتُثبت
صدقها؛
لكننا أشدّ
حماقة من أن نكفّ
عن تأويل
ما لا يُشبهنا.
***
(2)
على بُعد
تنهيدة
من عنق
زجاجة العُمر
أعرف أن
عيون أقراني الصّغار
ما تزال
جائعةً للدّهشة
لكنهم لم
يعرفوا بعد
أن الطفلة الحاذقة الهزيلة
سبقتهم من
جديد إلى مِنصّة الهاوية.
***
(3)
يتنكّر
ضعفك أحياناً
في صورة
غريبٍ ما
يُطلُّ
على نفسك من شرفة بعيدة
فقط لأنه
يخشى
خسارتك أو
خسارته
حين
تتحدان معاً !
***
(4)
أيدي
الأطفال
التي
تلصقُ أصداف قلبي بآذانهم
ليسمعوا
فيها هدير البحر
تُنبتُ
رقصةَ الأمل المُتشعّب
في خاصِرة
الوجود.
***
(5)
صغيري ..
أمّك التي
ظلّت طويلاً- خجولةً و خائفة
مثل صفحة
بيضاء في مهبّ دُخان
أدركت
يوماً أن خطوتها الرّاجفة
لم تكن
تؤخرها عن اللحاق بشيء
بقدر ما
كانت تدفعها لتكون طُعماً سائغاً
لتجارب
آخر من وصلوا.
***
(6)
قالت
الفراغات المتشظية بين أصابعي:
ربما ليس كل
عصفورٍ في اليد
نسخة جوفاء
عن إخوته
العشرة على الشجرة.
***
(7)
لم نكن
صديقين
يوم كان
قلبك مصحفاً صغيراً
و كانت
يداي صحيفة نصف مُلوّنة
لكنّ صوتك
الذي جاء بلون حبري
ملأ حقائب
سفري للآخرة
بعشرات الشُرفات
المُضيئة
على هامش البرزخ.
***
(8)
إلهي ..
هذه
المرايا كثيرةٌ جداً عليّ
عِدني بأن
تختزلها
في وجهٍ
واحدٍ
أراك فيه
فلا يتهمني الآخرون بالعمى،
و لا
أصطدم بنفسي.
فاطمة
إحسان اللواتي
* نشرت في:
- ملحق (آفاق) بجريدة عمان.
- صحيفة (آراء) الالكترونية.
http://www.araa.com/opinion/16016
إلى صديقة تتقمص صوت أعماقي
صديقتي .. في ذكرى اليوم
الذي زفرتِ فيه صرخة الاحتجاج الأولى في أذن العالم، الأذن التي قيل لكِ لاحقاً
أنها من طين، بينما اكتشفتِ بنفسكِ أن الأخرى من عجين، أعتذر إليكِ بقدر الندم على
كل حماقاتي التي مازلت أمارسها في حقي و حقكِ كصديقة، عن الصمم الاختياري الذي
أجتاز به نصائح والديّ بروحٍ طيبة، و السّخرية الباردة التي ضاعفت مناعتي من أخذ
البشر على محمل الجد، و عن عقلانية الحلول الوسط و تأمل العواقب، حيث صادرت مني
نشوة الحماقة الطفولية التي لا ترضى بما هو أدنى من مطلق الأسود أو الأبيض.
صديقتي .. أحب اسمكِ الذي
تظنين انه تطفّل على قدَرك الرمادي، أراه يشبه ألوان الفرح المتشرد بين أزقة
شكاواكِ، أحاديثكِ، التي أحبها كما هي، طويلةً متشعبة، متقلّبة الحِدّة كنبرة صوت
أعماقي.
صديقتي .. لستُ أدري إن
كان من العدالة أن تكون مجلة الأطفال التي كنتِ تنتظرينها كل أسبوعٍ على مكتبي،
الأراجيح و الدمى و الأحذية الرصينة و حرص الأهل الذي تسبب لي بإعاقة ضمنية في
الإرادة و عجزٍ مزمن عن الانعتاق من وخز الضمير، كلها كانت تملأ سنواتي الأولى بكل
ما يتمناه أي طفلٍ، و كل ما بوسعه أن يحوّل أي طفلٍ إلى مشروع انتماءٍ وفي لدفء
الفرن الذي أنضجه على مهلٍ.
لكنها العزلة الأشد رأفة
بقلبي من أي بلسمٍ خارجي، هي التي كان لها الفضل في نمو أجنحتي مجدداً بعد كل مرة
يتم فيها قصّها عن حسن نية، لعلّها كانت الوادي الذي كنتِ ترجمين وجهه بالحجارة
مرة بعد ألف؛ أملاً طفولياً في إجاباتٍ لا تشبه الدوائر الساذجة المكررة على صفحة
الماء.
هذه الغجرية التي تسكنني
سراً و لا يعرفها أغلب من يعرفني، صبرَتْ طويلاً على القلب القابل لأن يتحول إلى
فُتات من كلمة عتابٍ واحدة. قلبي الذي ما يزال يرتجف كضوء شمعة صغيرة كلما خُيّل
إلي أن البرد سيهدد يوماً دفء صدر حبيبي. و لولا صبرها لما صمدت أصابعي حتى مجيء
اليوم الذي صافحتكِ فيه عن بصيرةٍ و صدق، كما لو كنتِ نقيضي الذي أضعتُ فيه شيئاً
من ملامحي الأولى.
صديقتي .. باسم الغجرية
التي مازالت تعاند خطواتها المروّضة، كل عامٍ و أنتِ تُشكلين وجودكِ على طريقة "ليس
بهذا الشكل و لا بشكلٍ آخر". كل عامٍ و رهافتكِ المتطرفة إلى حد العنف تلهمني
لهجر الصّدفة، و احتضان الموج، حيث العودة أو اللاعودة.
فاطمة إحسان اللواتي
*نشرت في صحيفة (قاب قوسين) الالكترونية.
http://www.qabaqaosayn.com/content/%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%B5%D8%AF%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D8%AA%D8%AA%D9%82%D9%85%D8%B5-%D8%B5%D9%88%D8%AA-%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%82%D9%8A
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)