الاثنين، 2 سبتمبر 2013

إلى صديقة تتقمص صوت أعماقي


صديقتي .. في ذكرى اليوم الذي زفرتِ فيه صرخة الاحتجاج الأولى في أذن العالم، الأذن التي قيل لكِ لاحقاً أنها من طين، بينما اكتشفتِ بنفسكِ أن الأخرى من عجين، أعتذر إليكِ بقدر الندم على كل حماقاتي التي مازلت أمارسها في حقي و حقكِ كصديقة، عن الصمم الاختياري الذي أجتاز به نصائح والديّ بروحٍ طيبة، و السّخرية الباردة التي ضاعفت مناعتي من أخذ البشر على محمل الجد، و عن عقلانية الحلول الوسط و تأمل العواقب، حيث صادرت مني نشوة الحماقة الطفولية التي لا ترضى بما هو أدنى من مطلق الأسود أو الأبيض.

صديقتي .. أحب اسمكِ الذي تظنين انه تطفّل على قدَرك الرمادي، أراه يشبه ألوان الفرح المتشرد بين أزقة شكاواكِ، أحاديثكِ، التي أحبها كما هي، طويلةً متشعبة، متقلّبة الحِدّة كنبرة صوت أعماقي.

صديقتي .. لستُ أدري إن كان من العدالة أن تكون مجلة الأطفال التي كنتِ تنتظرينها كل أسبوعٍ على مكتبي، الأراجيح و الدمى و الأحذية الرصينة و حرص الأهل الذي تسبب لي بإعاقة ضمنية في الإرادة و عجزٍ مزمن عن الانعتاق من وخز الضمير، كلها كانت تملأ سنواتي الأولى بكل ما يتمناه أي طفلٍ، و كل ما بوسعه أن يحوّل أي طفلٍ إلى مشروع انتماءٍ وفي لدفء الفرن الذي أنضجه على مهلٍ.

لكنها العزلة الأشد رأفة بقلبي من أي بلسمٍ خارجي، هي التي كان لها الفضل في نمو أجنحتي مجدداً بعد كل مرة يتم فيها قصّها عن حسن نية، لعلّها كانت الوادي الذي كنتِ ترجمين وجهه بالحجارة مرة بعد ألف؛ أملاً طفولياً في إجاباتٍ لا تشبه الدوائر الساذجة المكررة على صفحة الماء.

هذه الغجرية التي تسكنني سراً و لا يعرفها أغلب من يعرفني، صبرَتْ طويلاً على القلب القابل لأن يتحول إلى فُتات من كلمة عتابٍ واحدة. قلبي الذي ما يزال يرتجف كضوء شمعة صغيرة كلما خُيّل إلي أن البرد سيهدد يوماً دفء صدر حبيبي. و لولا صبرها لما صمدت أصابعي حتى مجيء اليوم الذي صافحتكِ فيه عن بصيرةٍ و صدق، كما لو كنتِ نقيضي الذي أضعتُ فيه شيئاً من ملامحي الأولى.

صديقتي .. باسم الغجرية التي مازالت تعاند خطواتها المروّضة، كل عامٍ و أنتِ تُشكلين وجودكِ على طريقة "ليس بهذا الشكل و لا بشكلٍ آخر". كل عامٍ و رهافتكِ المتطرفة إلى حد العنف تلهمني لهجر الصّدفة، و احتضان الموج، حيث العودة أو اللاعودة.


فاطمة إحسان اللواتي
*نشرت في صحيفة (قاب قوسين) الالكترونية.
http://www.qabaqaosayn.com/content/%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%B5%D8%AF%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D8%AA%D8%AA%D9%82%D9%85%D8%B5-%D8%B5%D9%88%D8%AA-%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%82%D9%8A

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق