
هل نحن بحاجة إلى تكافؤ بين الفرص المُتاحة و حجم الطاقات البشرية ؟ قد يبدو السؤال بلا معنى ، إلا أن له داعيًا مهمًا ، ففي بعض المجتمعات ترى التخطيط للمشروعات الشبابية يجري على قدم و ساق ابتداءً من دعم المؤسسات الحكومية و الخاصة إلى دعم شخصيات فاعلة من ذوي النفوذ و التأثير على الرأي العام ، و في النهاية تجد أن النتيجة لا تتعدى ما خططت له أن يكون في أسوأ حالات النجاح لهذا المشروع .
في مجتمعات أخرى لا تتكلّف الهيئات الكبرى في الدولة عناء التخطيط لمشروعات كهذه ؛ ربما ليس كسلاً و تقاعساً فحسب ، لعل في ذلك حسابات أخرى للدور الثقافي التوعوي لهذه المشروعات و التي قد تكلف الدولة ثمناً غالياً فيما إذا ظهر لها أثر لاحقاً في تنوير الفئة الفاعلة في المجتمع حول الخيوط الخفية للعبة السياسية المحبوكة بدقة .
بالرغم من هذه المساعي لتكميم الأفواه و زرع ثقافة الخوف من الـ(اللا شيء) لأن لا قاعدة تحكم مطاردة المثقفين و إسكاتهم طوعاً أو كرهاً ، صرنا نشهد ارتفاع الأصوات من تلك المجتمعات أكثر من غيرها ؛ لسبب بديهي بسيط و هو أن الدافعية لا تنبثق إلا من الحرمان ، مثلما أن الرواء ليس له طعم إلا بعد العطش !
في الوقت الذي تشهد فيه المجتمعات الخليجية ظهور أصحاب نتاجات إبداعية في الإعلام و الأدب و السياسة و كل منهم يخرج من قصره العاجي خائفاً يترقب ، و بين ما يؤمن به و ما يعايشه مساحة اغتراب تشوّه الفكرة بحيث لا تظهر كما أرادها صاحبها أن تكون و لا كما أرادها المجتمع النمطي ، تشهد المجتمعات العربية الأخرى التي تحررت لتوها من أغلال الأسر الحاكمة عودةً للإبداع المنبثق من رحم المعاناة ، يعود المصريون و السوريون و المغاربة أخيراً إلى ما كان عليه العقّاد و المنفلوطي و عمر أبو ريشة من حرية قلم و فكر .
في مجتمعاتنا – الخليجية – أشباح لمفاهيم نعرفها و لا نتقن التعبير عنها ، و مفاهيم أخرى نتقن التشدّق بها دون أن نعرفها ، نستل سيف عنترة لقطع رأس قيس بن الملوّح كلما لمحنا له ظلاً – قد يكون طرفاً لإدانته – في قضايا ديار ليلى !
فاطمة إحسان اللواتي
* نشرت في جريدة ( الراي ) الكويتية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق