الاثنين، 13 فبراير 2012

علم النفس و أزمة السوق !

بعدما تخطينا قضية عدم التمييز بين أخصائيي علم النفس و نظرائهم في علم الإجتماع و الخدمة الإجتماعية ، حيث يعمل الإثنان تحت مسمى " أخصائي " ، أو حتى غير أخصائي حيث يوكل إلى البعض منهم مهام بعيدة تماماً عن مجال تخصصه و يعامل كأحد الموظفين الإداريين .نصطدم بما هو أشد مرارة من ذلك ، ففي كلية التربية حيث تدرس إحدى زميلاتي علم النفس التربوي للمرحلتين المتوسطة و الثانوية ، تقول إحدى موظفات الإرشاد الطلابي أنه يمكن لخريجي هذا التخصص العمل كمعلمين لمادة الإجتماعيات ، جنباً إلى جنب مع خريجي أقسام التاريخ و الجغرافيا ، بل الفلسفة و علم الإجتماع أيضاً . لا أتصور كيف يمكن لمن كانت مواد دراسته طوال سنين الجامعة تدور حول خطوط الطول و دوائر العرض أن يتساوى في قدرته على شرح الجغرافيا مع من لم يدرس في عالم الخطوط غير الخط المتعامد لأبعاد الشخصية الأربعة !

كيف نتعجب من عدم تفرقة الناس بين الطبيب النفسي و الأخصائي النفسي ، و نحن لا نستطيع فصل مدرس علم النفس عن مدرس التاريخ و الجغرافيا ؟ و كيف لا يُهضم دور الأخصائي عندما يأتي رجل (الروب الأبيض ) لينهي معاناة المريض دون سؤاله حتى عن بدايتها بجرعة ( أمفيتامين ) تكفل للمريض أن ينسى مشكلته بشكل مؤقت ، ثم يعود لطلبها حين يعاوده الألم ؟

يحدث كل ذلك في أروقة المدارس و المستشفيات في الوقت الذي يضرب فيه الآخرون على الوتر الحسّاس لهذا العلم الذي أضحى " علم من لا علم له " حسب وصف أحد أساتذة الجامعة ، حيث يُتاجر غير المتخصصين بالكثير من المعلومات اللا- علمية في وسائل الإعلام ، لاسيما على شبكات التواصل الاجتماعي حيث يسعى البعض لاستعراض ثقافته المُستعارة خلف جملة " أثبتت إحدى الدراسات الحديثة في علم النفس " دون التطرق لأي إشارة لمصدر تلك الدراسة ، و يُقدم البعض استشارات مجانية على الانترنت للهدف نفسه أو أهداف أخرى . عوضاً عن اختبارات الشخصية المتداولة بكل سهولة ، و التي تعطيك وصفاً كاملاً لشخصيتك في خمس دقائق ، بناءً على لون عينيك و طول شعرك ، و الكتب التي تقدم لك التفاؤل و الإيجابية على أطباق من دجل ، شبيهة تماماً بكتب الأبراج و التكهنات السنوية المتغيرة حسب المواسم ، و لكن بعناوين مختلفة .

وفقاً لما هو منصوص عليه في موقع الجمعية الأمريكية لعلم النفس على الانترنت فإنه من المفترض أن تتراوح فترة تدريب و تأهيل الأخصائي النفسي الإكلينيكي في حدود الأربع سنوات بالإضافة إلى الممارسة العملية التي يتم من خلالها الإشراف على الحاصلين على شهادة البكالوريوس إلى أن يتم الحصول على شهادة الدكتوراه ، لكن ما نشهده في البلاد العربية بشكل عام ، هو أن فترة التدريب الميداني بالجامعات لا تتعدى ساعات قليلة على مدى أشهر لا تتعدى الأربعة غالباً . إضافة إلى صعوبة الإلتحاق ببرامج تدريبية بشكل فردي اختياري في المؤسسات الرسمية ، بحجة المحافظة على خصوصية الاستشارة النفسية . و كأن حضور الأخصائي المتدرب لجلسة علاجية أصعب من قيام خريج كلية الطب المتدرب بعملية جراحية لمريض حقيقي . فكيف يمكن وضع معيار للمهنية في مجال لا ينال فيه المتخصص على فرصة حقيقية لإثبات جدارته بالمهنة و تمييزه عن غيره ؟

أزمة تقدير التخصصات الحديثة لا تقتصر على علم النفس وحده ، بل تشمل الكثير من التخصصات الأخرى التي يفاجَأ أصحابها بتعيينهم في وظائف لا تتناسب مع مجال دراستهم و خبرتهم ، مما ينعكس سلباً على أدائهم الوظيفي و طموحهم و رغبتهم في الإنجاز و بالتالي يؤثر في مستوى التنمية بشكل عام . فهل من متحرك يبدد سكون المياه الراكدة ؟!



فاطمة إحسان صادق اللواتي

نشرت في جريدة ( الراي ) الكويتية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق