الاثنين، 31 ديسمبر 2012

إقامة افتراضية




مُذ التصقت رمَالُ الصّحراءِ بجُرحِي

و عَجنت جدّتي حِناءَها

لِتُبلسِم بهَا عَنائي

كَان قدَري أن أتقلّب عَلى جَمر الرَحِيل

حدّ النضجِ .. لا الاحتراق

و كَان لقلبي قدَره

 في أن يظل حَقيبة سَفر

تتأرجحُ بين مَنفى و مَنفى

بَينمَا تمتدُّ إليه يدي

 لِتتلمسَ فُتات الفرَح

و هِو يَنسلُّ مِنهُ عَلى مَهلٍ

ليتركَ في الطريقِ الطويلِ

للعَودة أمَلاً طويلاً

***

مُذ حلّت أمِي ضفائِري

و زودتنِي بقواريرِ العِطر

لأنسَى رَائحةُ بخورهَا

و أنا أستنشُق دُخان الجَمر

و أستعيذُ بالذكرَى مِن النِسيانِ

فلا أنسَى

***

فِي "المَنفى - الوطَن" يُصر الهَوى

عَلى إعادة تشكيل أرصِفة الذاكِرة

لتعانِق مَطبّات الحَنين

 تُشاكِسني الشوارُع التِي أصرُّ عَلى إنكارهَا ،

 فتنكِرني

و تُوصِلني

 إلى النهَايات المَسدُودة

لأُعيد ارتيادَها

بحثاً عَن المَنجى !

***

فِي صَمتِ الأزمنة الوَشيكة

تُدوّي المَعزوفاتُ الكَلاسِيكية فِي رأسِي

 كَصافِراتِ إنذارٍ

يشقُ لهَا الغِناءُ الدفِين فِي صَدري

سَاقيَة البُكاَء

أتساقطُ شلالاً مِن شجنٍ

عَلى سقفِ الوَداعِ

لألتمس السّكينة معَ حُطام القوارِب

العَائِمة عَلى وجهِ المَدينة

صَبيحَة ليل الطوفان

 ***

فِي عَتمةِ النِهَايَات

تُحرقَ الشُموعُ الملونة فتيلَ الوَقتِ

بلا اكتراثٍ

لأيّ نارٍ تُضرمُ فِي هِشيم الذكريات

***

بدوّيٌ ترحَالي

و حَضارتي جَناحٌ من الصّفيح

يُشرّح أفئدة الغيم بالأسئلة

  المُتناسلة بين شقوق الأسمنتِ

كطفلٍ يُجربُّ مَا أوتِي مِن شغفٍ

ليطِير بخيط بالُون

ثم  يبكِي لانقطاعِه

كما لَو كَان سِكة السّفر الوَحيدة

بَين عَينيهِ و الرؤيَا

كطفلٍ لا يَعرف عَن ملكةِ الجنيّات

اغتِرابهَا رغم ازدهَار الأمنيَات

حِيث لا يطالُها مَطر التّحية

لِتحيا هِي .. مثلما تُحيي

في حناجر الصّغار الأغنيَات

***

أعلُو ، أزبدُ

فِي نِطاق النشوَة الحَيرى

كما يرقصُ الغجر

عَلى أطرافِ هاويَة الرّحِيل

و يُصفق طائرٌ بجناحَيهِ

مُغمضَ العَينينِ عَن أوكَار الحَنين

***

فِي مطارَات يتواطأ فِيهَا الوداع

فِي صفقةٍ غير مُعلنةٍ مع النسيَان

أتأمّلُ حقيبة سَفري

إذ تتحوّل إلى خيمَة مَنصوبة

عَلى رَاحة يَدِك

و يلتفّ قلبي حَول أناملك

كخيطٍ وفيٍّ لطائرةٍ ورقية !

 

فاطمة إحسان اللواتي
نشرت في صحيفة (الراي) الكويتية بتاريخ 10/7/2012.

عبء اكتشاف

 
 
لا أخرجُ من أنايَ
لأرى حِيادك المائِي
مُنسكباً عَلى وَجهِي
بلا بللِ
أُطلُّ بعنقِ الوردة
مِن شُرفة الهواء
و سَاقي مغمورةٌ تمَاماً بالمَاء
بنصف جُرأةٍ
أتجرّع ثُمالة التجربةِ المُكلفة
و أطفو على زبدِها السّكري الهش
 بكلّ براءتي و بربريتِي
و كمن يعِي اكتِشافه الجديد
لِما سبق لهُ معرفتهُ منذ عصور
أنتقي قُصاصةً تليق بما سأكتُب
دون أن أعتني بانسِجام ألوانِها
مع أبجديّة التشابه العتيقة
أتحرّكُ على رُقعة الشطرنج ذاتِها
دُون الإنحياز للمُربعات البيضاء
أو السوداءِ عَلى وجهِ الخصوص
أغمضُ عينيّ
يلتفُ جسدِي حولَ عدميتهِ
تستلني أجنحتِي
مِن غِمد الأرضِ الرّخاميّة
تُذيبُ زُخرفها المُتواطئ مع الوجُود المُفتعَل
يقودُني حدسِي إلى لغة الفسيفساء
لأبدأها بلا ألفٍ و باء
أتهجأُ مُفردات عالمِي المُسرنم
بين الوُجود و العدَم
ألتقطُ ارتباك الرصَاصة الهائِجة
قبل رصدِ المَعنى الرصِين
لاختلاجَاتِ القلم
لأدسّ بصَماتي عَبر الثقوب المُضيئة
للثوب الذي ما يَزال مَشروعَ فِكرة
قابلة للطِلاءِ و الطي
و أشقّ جَيبهُ احتفاءً
بفداحَة الآتي المُحتمَل
لأنكَ الصّدق / العبْء / القدَر المَسبُوق بالإستعَاذة
 العارُ المُقدّر / المِعيارُ المُستحِيل
وجُودك حتميّ كالملائكَة و الشيَاطين
و لأنك اخترت أن تكون بينهُما
في مُنتصَف الشعرة التي قصَمت ظهر اليقين
لا اعتراف بكَ في دَائِرة الأعرَاف
و لأنك تكرهُ زاوية الإنكِسار
تنأى بلا عِوَجٍ
عن قطيعِ الأطيافِ المُنصبة في بَياض العدَم
تنسلخ عن صِبغتك الشرعِية / الشعبيّة
و ترفعُ شعَارك الجَديد
فراشةٌ هَاربةٌ مِن قبضة اليَد
خيرٌ من عشرةٍ في الشرنقة
***
فقد التعبير قدرتهُ عَلى خيانتِي
مذ أعتقتهُ لوجهِ الهذيَان
و عرفتُ أن مفتاحُ اللغة الدفينة في قعرِ النسيَان
خيرٌ من ألفِ بابٍ مواربٍ لأبجديةٍ مُستهلكة
***
تُعاودُ غاباتُ الدهشة اخضرارهَا
تتناسلُ أشجارهَا باعتياديةٍ مُطلقة
في الحَناجر الدافئة / الأليفة / المُتشابهَة
تتدلى أغصانهَا عَلى عنقِي
دون أن تُثير شهيّـتي للإلتفات
ما أجمل اعتيادِي لمَا هو كائن
مَا أغربَ استبعاد ما كان لهُ - حتماً - أن يَكون !
 
فاطمة إحسان اللواتي
نشرت في صحيفة (الراي) الكويتية / نوفمبر 2012.
 
 

زهرة هاربة من خريف القلب




 

لو أننا لم نختنق

بنسمة البرد الهاربة

من شتوية المنافي

لانتظرتكَ ربيعاً آخر

و لأشهرتَ راية الإستسلام

 لحُمّى الفصول المُتعاقبة

على جبين الأرض

المُنهكة من رتابَة الدوران

***

لو لَم تلسعني خيبتي فيك

لما عرفتُ يوماً

كيف يمكن لحلمٍ كأنت

بكل تفاصيلهِ المحفورة في الذاكرة

أن يمرّ صُدفة بجواري ،

و يُهديني الورد و الغد و القصيد ،

ثم يُكمل الطريق كالغريب

ريثما أفيق أنا من الدهشة !

***

لو لم ينزلق القمر

إلى البحيرة التي لمحتُ ظلك ذات ليلةٍ

و هو يختالُ على سطحهَا

بلا قلقٍ .. و لا رَهبة

لما عرفتُ كيف يكسو الجليد

أديم القلب رويداً رويداً

و كيف تستحيل سحابتي الخجلى في وطن عينيك

إلى غيمةٍ هاربةٍ إلى المنفى

***

لو لم تستأنف الشوارعُ حركة جنونها اليومي بعدك

 مثلما كانت قبلك

لما نسيتُ كيف يمكن لاسمكَ المألوف

أن يستوقفني دون الأسماء

و كيفُ يُضفي لفظهُ معنىً

 لكل تفاصِيل الأشياء

و كيف تتغير أبجدية اللافتات

المشيرة إلى حيث تكون

لتأخذ أشكال الجسور المُعلقة

لحدائق بابل و فراديس اليونان

***

لَو لم يُحدِق بي فقدك

من كُل الزوايا المُفخخة بالوحشة

لو لم تُزين لي مرآة الوهم

ذنب استحضارك

إلى ما تبقى من وعيي مذ عرفتك

لما أعلنتُ توبتي في خريف القلب

و جئتكَ أجتث أناملي من يديك

لأتساقط ورقاً أصفر

من على كتفيك

***

لو كَانت لِي أغصان تكسوها المَواسم ،

باقفرارها و زهوها

 لانتظرتك حَتى آخر الأبد ،

 لَكنني زهرَة برية هَاربة من جذورها

 اعتادَت أن تشق مِعراجها وَحيدة إلَى السّماء !

 
فاطمة إحسان اللواتي
نشرت في ملحق (شرفات) بجريدة عمان.