الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

خرساء إلا ربعاً


الشاشات المضيئة تعلن عن الرّحلات المغادرة و القادمة ، حقائب المسافرين تنزلق مسرعة كحزمٍ ضوئية تتناثر في كل الإتجاهات . أجلسُ بين والديّ على مقاعد الإنتظار ، و الفجر المُتعَب يجفف جبينه الندي ، متجاهلاً القلق في عيني أبي ، و أسئلته المتكررة عمّا يمكن أن أكون قد نسيته ككل مرة أسافر فيها .

تلك الطفلة المتسلحة بصمتها المكابر تخرج اليوم من مسامي مبللة بالجنون ، تُخرِج عدتها من الورق و الألوان و تخربش على وجهي كقطة هائجة ، تعقد حاجبيّ و تُطبق شفتيّ كلما جئت لأهمس بسرٍ وداعي جميل في أذن أمي . هل كانت أذنها بحاجة إلى أسبرين صوتي حقاً ؟ أم أن البكاء الصامت في عينيها كان كفيلاً بتخدير حزنها الغجري لبعض الوقت ؟!

أربع سيدات يبدين في أوائل الثلاثينات من العمر ، يبدو من سمرة وجوههن الشاحبة الخالية من المساحيق و من الشالات المزركشة الملفوفة على رؤوسهن بعشوائية أنهن لا ينتمين إلى هذه المدينة . يقتربن منا ، يسلمن علينا ، و إحداهن تسأل أبي :

- ابنتك مسافرة للكويت ؟

يجيبها بهدوء و تردد :

- نعم .. و أنتن أيضاً ؟

- نحن مشرفات عليهم ، سنوصلهم إلى السكن .. حتى تطمئنوا تماماً

- ما شاء الله . حقاً ؟ أين بقية الطلبة إذن ؟

تجيبه الأخرى بحماس غريب :

-هناك 27 آخرين . سنكون هنا بانتظارهم ، و أنتم يمكنكم العودة للبيت إذا شئتم . نحن سنتكفل بالبنت !

- لا بأس ! نحن باقون هنا لبعض الوقت .

أبتسم لهن بلطف . و الطفلة بداخلي تتثاءب ، تتململ قليلاً ، ثم تلعن الوقت الذي جاء بهن إلى هنا . ألا تكبر ؟ ألا تموت ؟! خمسة عشر عاماً منذ كانوا يسألون والدي :

أهي بكماء ؟ هذه الدمية الصغيرة الحلوة لماذا هي ساكتة هكذا ؟!

كانت تتمنى أحياناً أن تجيب لكن ثمة ما يغري في الصّمت . كانت أصغر من أن تعي أنه يوفر الجهد على الحبال الصوتية . و أكثر جُبناً من أن تتجرأ على كسر الحاجز الزجاجي الذي يحميها من السقوط في حبائل الكلمات . حتى الكلمات التي تحب ، فهي جميلةٌ فقط خلف الزجاج الذي يمنحها كل ذاك البريق .

في المقعد المجاور أمهاتٌ يشبههن أمي ، لم أطل في أعينهن لأتيقن من أنها تلمع كنجوم في السّحر ، بالرغم من أن الفجر يكاد أن يطمسها . لكنني أدرك ذلك بحاستي السادسة التي انتقلت إليّ اليوم من أمي فجأة . هذه هي سُنة الوقت .. الوقت الفخ الأول و الأخير لكل ألاعيب القدر .

أمامي أطفال تترواح أعمارهم بين السادسة و العاشرة . يتكلمون بصمت ، يحركون أيديهم و يضحكون ، يطلقون من أفواههم صوتاً يشبه الصّفير . يبدون منسجمين مع بعضهم تماماً .. و بلا أية كلمات . هل هي مصادفةٌ أن تخرج تلك الطفلة الخرساء من جحرها اليوم لتلصق بوجهي و تجثم على رئتي ، ثم تصادف هؤلاء و هم يتحدثون بلغتها ، يضحكون مثلها بلا وزنٍ أو قافية ؟ و لعلّهم سيبكون أيضاً بالوحشية نفسها .. ليلاً حين يشيخ هذا الفجر الكسول ، و تنام الأمهات على سُرر اللهفة المُرصعة بالدّمع . لعلّهم سيقفون على أيّة نافذة و يرسمون بالدموع بيوتاً كريستالية ، و حناجر تشبه صناديق الموسيقى ، و خبزاً معجوناً بأيدي الأمهات الدافئة .

يد أمي لا تبرد ؛ لذا لا أتوغل فيها كثيراً ؛ كي لا أشعل آخر قطرة صبرٍ تضيء لي الأشهر العِجاف القادمة . أصافح اللافتات بعينين باردتين كبحيرتي جليد . أبحث عن البوابة (1) ، أسرع في المشي . أهرب من المشرفات و الأطفال الصّم و الزحام . أبحث عن مقعدٍ بعيد في أية زاوية ، لكن المكان مزدحم ، و الزوايا تحاصرها العيون .

يُفتح الباب ، ينطلق الجميع إلى الطائرة . الأطفال الصّم يقفزون و يضحكون . و لم أكن أجد شيئاً واحداً يبعث على التبسُّم .

ها هو مقعدي أخيراً ، في منتصف الطائرة تماماً ، فوق الجناحين بالضبط . أخبرت والدي أن يحجز لي المقعد الأقرب إلى الممر مثل كل رحلة أسافر فيها عن مسقط . مثلما أخبره دائماً أن يحجز لي المقعد الأقرب للنافذة في رحلات العودة إليها .

بجوار النافذة طفلٌ يبدو في العاشرة من عمره يرتدي دشداشة رمادية و على رأسه ( شماغ ) أرجواني ملفوف على طريقة أهل الشرقية ، المقعد الأوسط فارغٌ ، و الطفلة المتجهمة تسبقني إلى مقعدي . تلتصق بظهره لتظل تغرس سكاكينها في حنجرتي طوال الرحلة . ربّاه ! يبدو أنني حفظتُ كل نواياها المبيتة .

المشرفات يجلسن في المقعد الذي أمامي مباشرة . يلتفتن لتفقد الأطفال بين حين و آخر . الصّبي ذو الشماغ يكلم الفتاة الجالسة على المقعد المجاور الذي لا يفصلني عنه إلا الممر ، يكلمها بلغة الإشارة و هي تضحك . يد الصّبي تمتد إلى جهتي فجأة .. يفزعني ذلك ، و ألتفت إليه .. فيعتذر ، و يبدو أن تلك الحركة كانت جزءاً من قصة طويلة يحكيها للفتاة . كان ضجيجهما عالياً ، و كنت مثل الأحمق في زفة الطرشان . أشك في أنهما لم يتحدثا عني طوال تلك المدة و قد كنت العثرة الوحيدة بينهما .

أمد يدي إلى الحقيبة لأخرج كتابي . من الجيد أن أنشغل بشيءٍ ما بدلاً من محاولة تخمين ما يتحدثان فيه . أبدأ بالقراءة ، لكنني أرفع عيني عن الكتاب فجأة . تسألني إحدى المشرفات بلغة الإشارة و هي تشير إلى حاجبيها و شفتيها ثم تلوي يديها عوضاً عن قول ( لماذا ) ؟

أبتسم و أنا أرد عليها : عفواً ؟ لم أسمع ..

تفغر فاهها فجأة : آه ! أنتِ تتكلمين ! إذن أنتِ لستِ ..... عفواً سامحيني

تتسع ابتسامتي أكثر ..

- لا بأس أعرف .. ربما ظننتيني معهم

- لا .. كنتم جالسين بجوار أهل ذوي الاحتياجات الخاصة .. هكذا فقط .. اعذريني

تلتفت المشرفة الثانية إلى زميلتها دون كلمة و في عينيها نظرة استفهام . تهمس لها الأخرى بالقصة كاملة ، ابتسامتي تتسع أكثر فأكثر .. أرى ذراع الصبي و هي تتحرك في الهواء ، و أسمع صوتاً متقطعاً للفتاة و هي تضحك . الطفلة المتجهمة أخذت تضحك أيضاً ، بل تقهقه نشوة بانتصارها . تمر المضيفة من جواري فأستوقفها :

- - هل عندكم ورق ؟

- - عفواً ؟!

- - ورق أبيض .. دفتر صغير أو أي شيء ؟

- - حاضر .. سأجلبه لكِ

نظرات الفتاة تتنقل بين وجهي و ظهر الكتاب الذي أخفي به الورق الذي وصلني للتو . لا أتشارك خصوصية ما أكتب مع الأشخاص الذين أكتب عنهم .. بعد دقائق يعرض علي الصّبي علبة عصير أرفضها بأدب ، و بلغة الإشارة الركيكة التي لا أعرف عنها إلا ما أعرفه عن اللغة الأسبانية . أبتسم .. و ألقي برأسي على ظهر المقعد . و يعود الإثنان للحديث و الضحك بصوتٍ عال .

فاطمة إحسان اللواتي

16/9/2011


*نشرت في ملحق ( شرفات ) / جريدة عمان

الجمعة، 30 سبتمبر 2011

ثلاث نصوص / ملحق ( شرفات ) / جريدة عمان








http://main.omandaily.om/files​/pdf/2011/9/20/Shorufat_20-09-​11.pdf

رقصة الخيبة الأخيرة





في خطوة بين ورقتي توت يابستين

و أعقاب سجائر

تنفث نفسها الأخير

أنت لست عابساً يا سيدي

لستَ تشتمُ قدرَك

و لا تدعو على آلهة النار بحق الجحيم

ثمة رغبة فينا .. تشبه البكاء

لكن الطوفان لا يبدأ على خديك

لأبني سفينة في محاجر عينيّ

و نبتدئ فردوس الأزمنة منذ المنتهى

أهو خذلانك ؟

أو خذلان البحر المتأجج على ضفاف القدر ؟

أم أنه تواطؤكما معاً

مع سابق الإصرار و الوعيد ؟

مجاديفنا تتسلل من بين أيدينا كالحلم

تمد جسراً من الخيبة إلى قارعة النسيان

و ها أنت تتخطى السّنين العجاف على عجلٍ

بسلال الورد و الحنين

وحدي .. أرقص حافية القدمين

على معزوفة الدانوب الأزرق

في المسافة الوسطى بين حاضرين

خالية اليدين ، و العينين ، و المُهجة

لا وردٌ .. لا دمعٌ .. و لا أشواك

نزفت حتى استحال الدم و الدمع إلى دخان

و أنا اليوم نقيةٌ .. حد معانقة الندى

و الذوبان في لهيب شمعة

لا زجاج يحجبني عن صقيع الغد

لا ستارٌ .. و لا سياج

ابتعد قليلاً ..

فالدفء .. لعبة التوسط

بين خطوط النار

و اختيارك لحظة الانسحاب قُبيل الإحتراق

جديرٌ بتنصيبك بطلاً في زمن الخيبة .


فاطمة إحسان اللواتي

أكثر مما يليق بحزن




الليلُ تابوتُ الذكرى

والأخيرة بلا أطراف

لتلامس الأرض

بحذاء الباليرينا

و تراقص توأمها الحزن

بلا وجع .. و لا ربكة

***

هي لم تعد رقراقة

كابتسامة صديقٍ

يرافقك إلى آخر مُفتَرَق

بكل يقين

و لا بيضاء كنجمةٍ

تعانق بدرها الأوحد

***

غداً ينسى عازف الكمان

في غمرة الشجن

قصيدة المساء

غداً يُيَتمُ جرحهُ في مآتمِ الأضواء

و في المساء ذاته بعد ذات الغروب

تغدو روحه - عنوةً -

عبرة للمستهام و عبرة للرائي

***

للظلام سره الموؤود

تحت وسائد الجرحى

و الموتى المحنطين

في زجاج الكلمة المُحلاة

و الضحكة المنتقاة

من أعلى السُلّم الموسيقي

لتتساقط عقوداً و جواهر

على الأعناق

في لحظة تعليق حبل المشنقة

***

هَمست لي ذات بوح

أن السّماء لا تمطر رماداً

لكنها لا تحفلُ بالحرائق

في كروم البائسين

لذلك تبتسمُ

علّها تدخل يدها –خِلسة- في جيب الفرح

فتخرج بيضاء من غير سوء.


فاطمة إحسان اللواتي

السبت، 27 أغسطس 2011

واقفة على عكس الصورة !





كُنتُ على واجهَةِ قدَرنا الافتراضِي


حِين سرقتُ وجهَك مِن باعَة الصُحف


و خبأته في جَيبي المثقوْب


تذكرتُ وَقتَها أنّ أفلاسِي


لا تكفِي لشِراء قِطعة قدَر


على كوكبٍ مُلوّث كَوجهِ الجريدَة



***



فِي آخِر مَوعدٍ افتِراضي لنَا


كَانت القهوة طازجَة كمِلح البَحرِ


و كِتابُ الأساطِير المُرتّل في عَينيْك


يَملأُ البحَار السّبعَة


بسُكّر الكَلمَات


كُنتُ أذكَى مِن أنْ أشنُق فِكري و عَاطفتِي


بحَبلٍ وَاحدٍ


و رُويدَاً .. رُويدَا


تخليتُ عَن هوايَتي القديمَة


في الاحتفاظِ ببقايا الأشيَاءِ الباليَة



وَ شُفيتُ مِن القهوَة المَالِحة


وَ مِن ذاكِرتِي


***



تذكّر ..


و أنتَ ترسُم لي خطوطِي الجَوّية


و مَدرجَ هُبوطِي إلَى القاع


أو لَون شعْري و مَخالبي


ترسُم لي لَوحاتك السِيريَالية


لأفتش فيهَا عَن لَونِي


أنّي لسْتُ ريشةً في مَهبّ الحَيَارَى


و لا قِطعَة زجَاج


سَقطَتْ سَهواً مِن نَافِذة الدّهشة !





فاطمة إحسان صادق اللواتي


4/8/2011




الأربعاء، 24 أغسطس 2011

إنها الثانية عشرة .. بعد منتصف الطريق








مِن شرفتِي



حيث تمد ذراعَك لتصطاد أمنيةً سَماوية



أتفقد أصابع قدميّ .. بحذر



أنا لا أخشى السّقوطْ



لكنني أتدربُ على مُلامسة الأرض !







إنها تتبسّم ..



شفاهِي تعزف لحناً قرمزياً فريداً



بُحيرة البجع ترفع ثوبها الأبيض



لتسْرقني مِن أمَام عَينيك



لا تمُد أناملك المُلطخة بالحبر إليها ..



أخشى أن تُفسد اللوحة !







و هي تُمطر ..



لا يعنيني اعترافك بمواسِم الهجير



في خليج العرَب أو الفُرس



إنها تُمطر .. عَيناي مبتلتان



و الأنشودة ذاتها منذ عِشرين عاماً



تُبلل وجنتاي بما يُشبه الحَنين لمِرآتي الأولى








فِي أزقة الرّوح ..



أشبَاح رؤيا هَاربة



لا تُشعل فتيلَ الثريا


إنها الثانية عَشرة



بعد منتصف الطريق


أنا لستُ مُتعبة



لكنه موسمُ الانعتاْق !





فاطمة إحسان صادق اللواتي


17/7/2011




كُن تلقائياً .. ترى الوجود أوتو - كنترول !

لا أدري لماذا ننكمش على ذواتنا ، و نبدأ باستبدال المساطر واحدة تلو الأخرى لنقيس ما يُقال و ما لا يقال ، حتى حين يُطلبُ منّا التعبير أو التعليق على أبسط الأمور التي لا تضر أحداً و لا تنفع ، كسؤالنا مثلاً عن إحدى الخبرات الشخصية العابرة التي سبق أن مررنا بها ، لستُ مع إطلاق ألسنتنا لنهذي بكل شيء ، و لا مع التزمتّ و الجمود في طرح الأفكار التي نأمل أن نوصلها بأيسر الأساليب و أسرعها إلى قلوب الآخرين .أليس القليل من ضبط النفس مُضافاً إلى تلقائيتنا الطبيعية اكسيراً كافياً لإيقاع الآخرين في سِحر حديثنا ؟



في حديثه عن تجربته الأولى في التقديم الإذاعي يقول الإعلامي الشهير لاري كنج بأنه ظل صامتاً في البداية لمدة طويلة إلى أن دخل مدير المحطة إلى الأستوديو و صرخ في وجهه ! و في الحال بدأ بنطق كلماته الأولى كمذيع : " طاب صباحكم ، هذا أول أيامي في الإذاعة و لطالما وددت أن أكون مذيعاً . لقد ظللت أتدرب طيلة عطلة نهاية الأسبوع ، غير أنني الآن أشعر بجفاف في الحلق إضافة إلى إحساسي بالقلق ! " ، و يعقب لاري على ذلك بقوله أن هذه الكلمات القليلة منحته الثقة للاستمرار ، و منذ ذلك الحين لم يعرف القلق طريقاً إليه .



البعض يحشر نفسه في قوالب ضيقة ، كي لا يُوصف بالتناقض مع ذاته أو الجهل أو حتى بعدم الموضوعية ، كبعض الخبراء و المتخصصين الذين لا تجد في تصريحاتهم و لو تلميحاً عابراً عن جوانب أخرى خارجة عن مجال تخصصهم قد تتداخل مع ما هم بصدد الحديث عنه . على سبيل المثال تجد في برنامج ( شواهد ) على قناة الـ ( إم بي سي ) أن أخصائيي علم النفس الذين يعلقون على ما يسرده الناس من قصص متعلقة بالظواهر الغامضة كالجن و الأرواح ، تجدهم يعلقون كل قصة ببضع كلمات كالهلاوس ، و الإدراكات الكاذبة ، و و محاولات المراهقين الضحك على عقول آبائهم لجذب الانتباه ! و إذا صدق هذا القول ، فهل من الممكن أن يشترك سبعة أو ثمانية أشخاص أسوياء عقلياً في هلاوس و إدراكات كاذبة في الوقت نفسه ؟ أليس من المحتمل أن أياً من هؤلاء الأخصائيين قد اطلع على شيء مما كُتب في علم الميتافيزيقا الحديثة ؟ أم أن سياسة البرنامج التي ما استضافت هؤلاء المتخصصين إلا لإثبات وجهة نظرٍ واحدة هي الأولى بالتنفيذ ؟



أؤمن كثيراً بقول إنجيلو باتري : " ليس من أحدٍ تعِسٍ كالذي يصبو إلى أنْ يكون غيْر نفسهِ ، وغَيْرَ جسدهِ وتفكيرِه " ، و أضيف بأن سر نجاح الكثير من المشاهير و المبدعين في سحر الألباب هو تلقائيتهم في التعبير عمّا نخشى نحن التعبير عنه و نقلق بشأنه . و لربما تصدر منهم بعض التناقضات الصريحة بين بعض مواقفهم و آرائهم ، لكننا نحترمها لأنهم احترموا ذواتهم منذ أعلنوا أنهم بشر مثلنا ، بينما نثور على من يجزمون بالحقائق ثم يعاودون الجزم بنقيضها دون خجل ! فلماذا القلق و التحفظ إذن مع علمنا بكل ما


ينصب في صالحنا بفضل البساطة و التلقائية ؟



فاطمة إحسان صادق اللواتي


الجمعة، 24 يونيو 2011

مِظلة قوس قُزَح





سؤالكِ قشةٌ


قصمَت ظهرَ فقاعَتي الًصّابونيّة


لا تَجرحِي مُقلتَيكِ


بالتأمُل فِي هَشاشَة رُوحِي


بالبَحثِ عَنْ جُرحِي


بخيرٍ أنا .. يا أمّي


لا أشكُو بَأساً


لكنما خاننِي الفرَح


أركضُ في دروبُ عُمري


و مِظلتي عَلى وجهي


ابتسَامَتي مُبللة


عينايَ مُبللتَان


و المظلةُ ما زالتْ


تشعُّ بألوانِ قَوس قزَح


أتوهُ في دهشة الضوءِ


كلّ صبَاحٍ


أمُد يدي


أتلمسُ المَدَى


إلى عَبائتكِ السوداء


كَم من الأعوامِ


و أنَا تَائِهةٌ في الزحام


و لا أبكِي



الناسُ حَولي يُبدلون أحجَامَهم و ألوَانهُم


كدُمى المَاتريُوشكا


وَجهَكِ يتوّحدُ مَع نزعتِي



للتوحدِ مَع عَالَم الملكوتْ


وجهُكِ يا أُمي


يُطلّ من حنايَا الدّجى


يُسابقُ الفجرَ إلى النّهَار


صوتكِ يمتزجُ بالمطرِ


يَخترقُ مظلتي



أتشبثُ بكِ أكثر


و يَجرفنِي الطوفانُ إلى قاعِ صمتِي


أعُودُ خرسَاءَ


و قِطعَانُ البَشر مِن حَولِي


تَهذي بِكلّ شيء


الإيمو-قراطية


و التكنو-فاصوليا



و الكُتب الإلهّية المُنزّلة في المُشتري



أُمّاهُ .. لا

تقلقي

الـ (كُلّ شيءٍ) يُشبُه التَوابِل في مَطبخ بيتنا


كُلهَا تَصلُح لإضفَاءِ النّكهَة


عَلى قَالب العَولبَة !


و أنا بِخيرٍ ..


ما دُمتُ أسبَحُ بلا أطواقِ نجَاة


أكتفِي بدعائِكِ


و بمِظلةِ قوسِ قُزَح !



فاطمة إحسان صادق اللواتي


الأربعاء، 15 يونيو 2011

خُسُوفٌ .. مَكشُوف المَعَالم



أيّها الحُلو
كـ مُكعب سكّر دائري
أبديّ الغِوايَة
كَحبة كرزٍ شهيّة
بعيدَة المنال
أجهلكَ بقدرِ ما أعرِفُك
بقدرِ ما ضممتُك بين إبهامِي و سَبّابَتي
يومَ كنتُ طفلةً تسألُ السّماء
أنْ تُنزلكِ إلَى سطح البيت
لتتربعَ على جِيدِها
في وَسَط القِلادة
في المسَاءِ ذاتِه لمحتكَ تَجرِي
خلف سيارةِ ابنةِ الجِيرَان
رَأيتُك تُعاكسُها من فوقِ سطحِ البَيتِ
و لَم تَرَني ؛
كُنتُ أختبئ خوفاً مِن دَرسٍ جديدٍ
يهوِي على رَأسي الصغير كالصّاعقة
و أيقنتُ بأن كل ما هوَ بديعٌ كحلمٍ مثلك
يتقاسمهُ الجميع دون إذنٍ مني
ليلتها رأيتُ فيكَ الشامةَ السوداءَ نفسهَا
تلك التي تُشوه جبين جارتِنا الشقراء
رأيتُ فيكَ أنف بينوكيو الكذّاب
و ظهر أحدَب نوتردامْ
و كظلٍ تُحركُه خُيوطُ السّماء
ظّل قلبِي يُراقِصُ جانبكَ المُضيءْ
و يَهذي ،
آمنتُ - ككُل الإناثِ الحمقاوَات
عَلى الكَوكَب الأزرَق –
بالعُشبِ الذي ينبتُ في صحراءِ الرّبع البَالي
رغمَ أنفِ المُستَحيل
و لَمْ أثبت حقيقةً جُغرافية جديدَة ،
أثبتُّ الحَماقَة ذاتها
التّي جَرفتنِي للرقصِ بخيوطكَ العنكبوتية
حَتى مَطلعِ الشمسْ
***
اللّيلَة .. لَم يزدنِي الخُسوفُ يقيناً بك
كُنتَ نصفَ عارٍ
كُنتَ نِصفَ عَالَمٍ
يَختَال أمَام مِرآة الكَون
نِصفُكَ الخفيّ كان عَلى عُنُقي
يمدُ كفيه إلى رَأسي ليملأهُ بالجُنونْ
ازدادتْ الأخاديدُ في خدكَ المُضِيء عُمقاً
و ضَحكتُ ملء الهَواءِ
لأتجرَع أسئلةً جَديدَة فَارغةً
عَن العَالم المخبوءِ في كفكَ المغلولة إلى عُنقي !

فاطمة إحسان صادق اللواتي

15/6/2011




الاثنين، 30 مايو 2011

حافيةً على حِبال زجاجية








لِي فِي غابَة الأزهَار المُفترسَة





خُطا راقصَة كظل القمَر





عَلمتني الغِزلان كيفَ أنتفضُ مِن جُرحي





و أرقُص عَلى شَفير الهَاوية





برشاقة هِرة و دَهاء ثعلبْ





و يَظلّ فِكري طَير الكَنار





حِين يَسرقنِي مِن المَنفى





لأنتمي إليكَ





مِن حيثُ لا أدرِي





و كُلي يقين بكْ





رغم الشكوكِ و الحُفَر





رغم النارِ التي تضرمٌها





فِي أزقتي الصَغيرة





التي لا تَحتمل اثنينِ يَسيران





عَكسَ اتجاه الرّيح ،





و سُخرية قدَرك البرجوازي





مِن قاربي المُهترئ





غنيتُ لألفِ سَنة ضوئِية





لأحْظى بـ زحَل أو المُشتري





و عَادت ضفائِري تتلوى





على لَحن أغنيةٍ شعبيّة





صافحتُ الغياب





أعلنتُ انعتاقي





و عُدت أيَا فؤادي غضاً طريَاً





هشاً بما يكفي لتكسِره الكلمَات





أو تتناسلَ ملامحهُ





طائراتٍ و قواربَ وَرقية





أستحضركَ لأرسمنِي للمَرة الأولى





و لا يليقُ بك لونٌ





لأني أرتديكَ بإتقانٍ





كظل ياسمينةٍ





لا يبرح قدَميهَا





حتى يتهاوى القمَر المدللُ





عن عُروش الغيمِ





يتولّى عنكَ مُرافقة النّجيمَاتِ





إلى شواطئ عينيهَا





و حين أُلملمُ ملامحَك من شظايا اغتِرابي





يُطالعني في المرآة





وجهٌ لعجوزٍ ناقمة , و آخر لصبيةٍ





و صوتٌ ذكوريٌ يزجرني





لأعودَ لصوابي





بأحلامٍ صغيرةٍ لفتاةٍ شرقية





أُهرولُ حَافية القَدمينِ





تتساقطُ من عَلى كتفيّ الرمال





وعلى شفتيّ ترنيمةٌ بَحّارٍ





و ابتسامةُ حُلمٍ وردية .













فاطمة إحسان صادق اللواتي





31/5/2011

الجمعة، 6 مايو 2011

أنّى يكونُ لي وطنٌ ؟












أطالعُ امتداد رمل الصحاري على مدى أوردتي




و أتساءلُُ ..




أنّى يكون لي وطنٌ و أنا من الحيارى الحالمين ؟




أراهُ شهياً .. على الخارطة




أود قطفه فيجرحني سياج الشوك بيننا




و وردةٌ ضرجتُها بحُمرة العَلَم ذات يومٍ ، باتت تجرحني




و شمعةٌ لفظت أنفاسها الأخيرة




على صدر أُمّ




تجرحني ، تُضرم دورتي الدموية لتغلي كالطوفان




ليسَ قدَري أن أحُبه كفراشةٍ عمياء




و يحرقني كمصباحٍ مُتقن الإغواء




أو أن أطالعَ صورتي في الصّحيفة




يومَ كنتُ أنتفضُ من الحرائق في قلبي




مكتوبٌ تحتها بالخط العريض :




" بكت فرحاً .. صرخت دَهشة " !




ليسَ قدَري أن أحبّه ملء قارّات السوسن و الياسمين




و أوزع قرابين عشقه على العالمين




ثمّ أعود لأطالع شاشة التلفاز




و قد صورتني




كـ محض بعوضة ضالّةٍ




ثنائية .. أو ثُلاثية الإنتماء




تستحقُ الإبادة




في سُكرة اليأس و الخذلان .. أسأل نفسي




أنّى يكون لي وطنٌ و أنا من الآملين ؟




أقطعُ أسلاك الهاجسِ




أرفعُ يدي لأحجب عني الشمس




يتخلل الضوء أصابعي فأذكرهُ




و ينزفُ جرحي .. يبللني




و البحرُ يعجُّ بالملح




لكن لا سبيل غيره




يجرحني الموج




و رفيفُ النوارس المهاجرة إلى وطني يجرحني




هل أبلغت وطني عني السّلام ؟










فاطمة إحسان صادق اللواتي